عندما عرضت كتاب «حارة النصارى» منذ فترة للكاتب السكندرى شمعى أسعد، وكان يعكس رنة حزينة وشجناً نبيلاً على ما وصل إليه الاحتقان الطائفى فى مصر، وعندما حدثت ثورة يناير كان الكل متعطشاً لمعرفة رأى المسيحيين الذين طالما اتهمناهم بالسلبية، ففوجئ الجميع بأن المسيحيين شاركوا كوقود للثورة وليسوا كمتفرجين، والمدهش أكثر أنهم تمردوا على أوامر البابا بعدم الخروج فى المظاهرات، لذلك عندما أرسل لى شمعى أسعد هذه الرسالة قررت نشرها فوراً، لدلالتها المهمة.

يقول شمعى أسعد فى رسالته: «نعرف أننا شعب عاطفى»، ندرك ذلك جيداً، وكان الرئيس مبارك يدرك ذلك أيضاً وهو يلقى الخطاب الذى أعلن فيه عدم ترشحه مرة أخرى، خصوصاً فى الفقرة التى قال فيها إنه قدم لمصر الكثير، ويريد أن يموت فى أرض مصر، ونجح فعلاً فى كسب أكبر «سوكسيه» ممكن، ونجح أيضا فى أن ينقسم المصريون على أنفسهم بسببه ما بين مؤيد لاستمرار المظاهرات المطالبة بتنحيه تماما وبين معارض لذلك والاكتفاء بما تحقق، فضلا عمّن هم من مؤيدى بقاء الرئيس على كرسيه للنفس الأخير.. فى الغالب كانوا يقصدون النفس الأخير لمبارك وليس لمصر، ثم دارت الخلافات على أشدها بعد هذا الخطاب ووصلت إلى حد التخوين والاتهام بالعمالة، حتى جاء لقاء وائل غنيم، مؤسس صفحة خالد سعيد على «فيس بوك» الذى شاهدناه على قناة دريم، وقد كان مؤثراً أيضا وأبكى الجميع معه، ليعيد بذلك بعض الوئام للصفوف ويجدد حماس من قد فتر، ويعيد تدفق المئات مرة أخرى لميدان التحرير.

ولكن ما الفرق بين التأثير العاطفى للرئيس مبارك والتأثير العاطفى لوائل غنيم؟

يأتى أول تلك الفروق وأهمها أن الرئيس كان يتحدث عن نفسه، بينما وائل كان يتحدث عن مصر.

كان الرئيس يقرأ من ورقة كتبها له أحدهم، بينما كلمات وائل كانت تتدفق من قلبه مباشرة لتصب فى قلوب مستمعيه أيضاً.

كان الرئيس يتحدث عما قدمه لمصر، بينما وائل كان يتحدث عما كان ينقص مصر ولم يقدمه الرئيس.

كان الرئيس يتحدث عن رغبته فى الموت فى أرض مصر، بينما وائل كان يريد الحياة لمصر ذاتها.

كان الرئيس يتحدث فى نفس اللحظة التى كان مناصرو الحزب الوطنى فيها يسحلون ويقتلون المتظاهرين ولم يعتذر الرئيس ولم يتأسف، بينما وائل حاول أن يعتذر نيابة عنهم رغم كونه أحد الضحايا.

أما عن دور الداخلية فلا شك أنها ساعدت فى نجاح المظاهرات عدة مرات.. مرة بمحاولة قمعها فى البداية وإطلاقها الرصاص الحى على المتظاهرين فزاد ذلك من حدة الغضب وحرك الغضب الدولى أيضا ضد نظام مبارك، ومرة أخرى باعتقالها لكثير من النشطاء والمتظاهرين، ومنهم وائل غنيم، ليخرج بعدها بذلك اللقاء المؤثر الذى أفقد الرئيس بعض التعاطف الذى ناله بعد خطابه، فضلاً عن أن صفحة خالد سعيد التى حركت تلك المظاهرات، تأسست أصلا بسبب الجريمة المعروفة لاثنين من المخبرين حينما قتلا الشاب خالد سعيد فى الطريق العام، ويأكلنى الفضول حقاً لأعرف: هل يدركون الآن ما سببوه لنظامهم بالكامل من انهيار بسبب غبائهم؟ كم صرت على يقين بأن وزارة الداخلية لم تكن أبداً أكثر ذكاء من الدبة التى قتلت صاحبها!.